العولمة الثقافية في المجتمعات.
العولمة هي ظاهرة تعبر عن التكامل والتفاعل بين الدول والشعوب والثقافات في العالم المعاصر، وتتجلى في مجالات اقتصادية وسياسية واجتماعية وإعلامية وتكنولوجية.
تأثير العولمة الثقافية على الفرد والمجتمع |
ومن بين مظاهر العولمة، تبرز العولمة الثقافية، التي تشير إلى انتشار الأفكار والقيم والمنتجات الثقافية عبر الحدود الجغرافية، ومواقع تسويق منتجات. بفضل تطور وسائل الاتصال والنقل. (الشيشاني، 2019).
تعريف العولمة الثقافية.
يمكن تعريف العولمة الثقافية بأنها وحدة في الثقافة التي تعم العالم، أي بجعل العالم قرية واحدة، فالثقافة العولمية هي تلك القرية العالمية والتي تشمل معظم نواحي الحياة لسكان تلك القرية من ملبس ومأكل واقتصاد وسياسة وغيرها... الخ.
وخاصة في اعتماد لغة واحدة كوسيلة للتفاهم بين سكان تلك القرية، وهي لغة البلد التي تدفع أولئك السكان نحو العولمة ألا وهي اللغة الإنجليزية – لغة الغرب الذي ينادي بالعولمة (الهزايمة، 2019، ص12).
تاريخ العولمة الثقافية.
إن العولمة الثقافية تبعاً لوجهة نظر الباحثين تعتبر حدث تاريخي ينشأ من حكمة الفلاسفة والعلماء اليونانيين كأرسطو وأفلاطون وسقراط وغيرهم، ممن وضعوا أسسه في القرن الرابع بعد الميلاد، مما شكل ثقافة غربية مميزة. وانتشرت هذه الثقافة في الفكر الغربي لقرون متعددة إلى يومنا هذا.
كما ساهم غزو الرومان للمناطق العربية والإسلامية وكذلك لشعوب أوروبا ونشر ثقافاتهم وفنونهم في تلك البلاد لوضع بذور العولمة الثقافية في بلدان العالم الغربي لعدة قرون حتى يومنا هذا (الشبيني، 2002، ص28).
كيف تؤثر العولمة الثقافية على نظراتك لبعض الأمور والأشياء؟
أصبحت العولمة تسيطر على الفكر البشري، وتسعى لفرض ثقافة عالمية واحدة تسيطر على العالم، وتقضي على الثقافات الوطنية، ويساعدها على ذلك وسائل الإعلام والتكنولوجية، مع تمحور أنظمة العيش حول أسلوب ومحاكاة النموذج الغربي في مختلف مجالات الحياة، كونه يمثل الثقافة الأكثر تقدماً.
فضلاً عن فرض نمط واحد للاستهلاك، بمعنى آخر فرض النموذج الثقافي، لذا نجد أن الجهود المبذولة جميعها لإلحاق البشرية بركب حضارة معينة بذاتها، ويسميها بعض المفكرين ب" العنصرية الثقافية المتغطرسة" (ناضر، 2014، ص18).
تعمل العولمة بمختلف وسائلها الإعلامية لجعل كل شيء سلعة قابلة للاستهلاك، مما يدفع الجميع للعيش كمستهلكين. وبالتالي تغليب ثقافة الاستهلاك على حساب قيم أخرى تميز الوجود البشري الأصيل.
حيث تسيطر العولمه الثقافية على أذواق الناس في العالم. فالموسيقى الأجنبية والتلفاز والسينما الأمريكية من مايكل جاكسون إلى رامبو إلى دالس، وموسيقى البوب، والراب، وغيرها. وفي مجالات الترفيه والتسلية نجدهم يميلون للنمط الأمريكي.
وكذلك الأمر في عادات الملبس حيث يسود الآن ملابس الجينز وارتداء قمصان يُطبع عليها أحرفاً أو كلمات أو صوراً لشخصيات أجنبية. حتى في المأكل والمشرب انتشر النمط الأمريكي. كما في انتشار مطاعم الوجبات السريعة على نطاق واسع في جميع المجتمعات العربية (سالم، 1998، ص 78-90).
من جانب آخر يمكن أن تكون نظرتنا لبعض الأمور فيما يخص عولمة الثقافة إيجابية. لأنها تعمل على توسيع التفاعل بين الشعوب ونقل الخبرات ودمج الثقافة مع بعضها البعض حيث بإمكاننا أن نستفيد من هذا التعلم والتبادل وتنويع المعارف ونشر القيم الإنسانية، والفنون المختلفة.
أما ما يخص نظرتنا السلبية فهي تقوم بإضعاف الهوية العربية. وخصائص ثقافتنا، وهذا يشعرنا بالقلق عن مبادئنا وهويتنا ومصالحنا، والذي يجب أن نواجه بالعودة إلى مبادئ الإسلام الصحيحة والكافية القرآنية. وإبراز ثقافة الإسلام للعالم أجمع واكتساب المهارات والتكنولوجيا والعلم الذي يجعله الثقافة العربية منتشرة (نصار، 2015).
كيف ترى اللغة العربية، والأفلام والإعلام العربي مقارنة باللغة الإنجليزية؟
لا يغفل علينا تأثير العولمة على اللغة العربية عبر طغيان مفردات اللغة الإنجليزية على حساب المفردات العربية في جميع مناحي الحياة، من الأسرة إلى الجامعة وحتى في الإعلام والترجمة والتأليف. وكأن مفردات اللغة العربية غير قادرة عن التعبير السليم للصور. كذلك ظاهرة انتشار المدارس التي تدرس باللغة الإنجليزيه. واعتمادها على مناهج غير عربية (العايد، 2002).
وفي الإعلام نجد مساحة واسعة للبرامج التلفزيونية الأميركية على مختلف القنوات العربية، مع العلم أن بعض القنوات الفضائية العربية تعرض فقط الأفلام والمسلسلات الغربية وعلى رأسها الأمريكية. فضلاً عن تبني بعض القنوات الفضائية العربية برامج منوعة غربية شكلاً ومضموناً، مع الحرص على استخدام الكلمات الانجليزية بكثرة خلال الكلام باللغة العربية.
فضلاً عن الصناعات الثقافية الموجهة للأطفال المتمثلة في برامج كرتون وأغاني تحمل الفكر الغربي، بحيث تقدّم إلى أطفالنا مدبلجة ومجهزة بشكل علمي مدروس. على أيدي خبراء في الإعلام الغربي والثقافة والتكنولوجيا المتطورة، لتساهم في تغييب محاكمتهم العقلية، مما يحوّلهم إلى مجرد طاقة استهلاكية مسلوبة الهوية والإرادة (وطفة، 2006، ص 187-238).
هل المصداقية تتأثر بسبب العولمة الثقافية؟
إن العولمة الثقافية ساهمت في صبغ الثقافة العربية بالصبغة الاستهلاكية، فغيرت من أنماط تفكيرنا وتصوراتنا لصالح الدول المتقدمة والتي تخدمها مثل هذا النوع من العولمة. حيث تحولنا من الإعجاب بالمنتجات اليابانية والكورية والأوروبية إلى إعجابنا بالمنتجات الصينية بعدما سقطت العولمة الاقتصاديه بأيدي الصينيين.
وصرنا نقول إن المنتجات الصينية أصناف ودرجات، كذلك الأمر فيما يخص اللغة العربية وتأثرها بالعولمة الثقافيه، قد تأثرت بالمصداقية وخاصة ما أفرزه وقدمه لنا النتاج الفكري للرحالة والمستشرقين.
فيقول الباحث آشرين (2010، ص121): إن عولمة اللغة الإنجليزية لتكسح مجالات الأعمال والتعليم. مما يؤدي لطرح برامج جامعية. يكون فيها عنصر التدريب على المحادثة والتخصص المهني باللغة الإنجليزيه بنفس القدر من الأهمية التي تتمتع بها المحتويات العلمية للبرنامج. فكان أفضل استثمار حسب ما تنشره العولمة هو الاستثمار في تعليم اللغه الانجليزيه بسبب الطلب المتزايد على تعلم اللغة الانكيزية.
ما هي رؤيتك للمنتجات الأجنبية والمحلية وثقافتك تجاهها.
من جانب آخر أصبح مجتمعنا العربي تستهويه الثقافة الاستهلاكية. ما يهمه أن تتحول مسيرة حياته إلى رحلة ترفيهية بعيدة عن الكتاب. بل يحرص على تعبئة عقلة بنزعة استهلاكية تدميرية. فيصبح معظم أحاديثه عن آخر ما نزل في الأسواق من منتجات إلكترونية وتكنولوجية حديثة من هواتف نقالة، سيارة حديثة الطراز. جهاز حاسوب بتقنيات متطورة. ويسعى للبحث عن مواقع تسويق المنتجات التكنولوجية ليتابع كل جديد.
وإلا يقضي معظم حياته متحسراً. لأن الفقر وقف عائق أمامه. ولم يتح له الفرصة في أن يكون كائن استهلاكي كغيره. في اقتناء أحدث الماركات المعتمدة عالمياً من ساعات وعطور وملابس جاهزة.
فوائد ومخاطر على الفرد والمجتمع
يمكن القول إن العولمه الثقافيه هي ظاهرة لا مفر منها في عالمنا المعاصر، وأنها تحمل في طياتها فوائد ومخاطر على الفرد والمجتمع لذا علينا.
- أن نستفيد منها في توسيع آفاقنا وزيادة معارفنا وتبادل الخبرات والثقافات مع الشعوب الأخرى.
- أن نحافظ على هويتنا وثقافتنا العربية والإسلامية.
- أن نكون حذرين من التأثيرات السلبية التي قد تضعف انتماءنا أو تشوه قيمنا.
- أن نكون نقديين وموضوعيين في التعامل مع المصادر والمعلومات التي نتلقاها من خلال وسائل الاتصال المختلفة.
- ألا نسمح بأن يغرِّر بنا الغرب أو يستغل ثقافتنا لأغراض سياسية أو إقتصادية. فالثقافة هي هوية الشعب، وإذا فقدت الثقافة فقد كل شيء.
في الختام👈 إن للعولمة أثراً على ثقافات الشعوب، ولا بد من العمل على مواجهة هذا الغزو الثقافي لقوى العولمة، ليس بالانغلاق على الذات، بل بتحقيق التجديد الثقافي في داخل فكر كل شخصية ثقافية عربية، والدخول إلى عصر التكنولوجيا كمشاركين وليس كمستهلكين.
المراجع.
- آشرين، ب، ترجمة عمر، لميس. (2010). تغيير التعليم العالي. الطبعة العربية الأولى. الرياض: مكتبة العبيكان للنشر.
- الشبيني محمد. (2002). صراع الثقافة العربية الإسلامية مع العولمة. لبنان: دار العلم للملايين.
- الشيشاني، زبيدة. (2019). موضوع. ما هي العولمة الثقافية. متاح على الرابط https://bit.ly/3Wb7SjX.
- العايد، حسن. (2002). المجتمع الأردني ما بعد العولمة. (ط1). عمان: دار وائل للنشر والتوزيع.
- الهزايمة، محمد يوسف. (2019). العولمة الثقافية واللغة العربية – التحديات والآثار. ملف pdf. مكتبة المنهل. متاح على الرابط https://platform.almanhal.com/Details/Book/18611.
- سالم، بول. (1998). الولايات المتحدة والعولمة. 20(129). بيروت: مجلة المستقبل العربي.
- ناضر، زاهي. (2014). العولمة والخصوصية الثقافية. العدد 24. السنة السابعة. المنامة. البحرين: مجلة الثقافة الشعبية. PDF. متاح على الرابط https://www.folkculturebh.org/upload/issues/issue24.pdf.
- نصار، جمال. (2015). الهوية والثقافة وتحديات العولمة. مركز الجزيرة للدراسات، متاح على الرابط https://bit.ly/3OlyVXU.
- وطفة، علي. (2006). ثقافة الطفل العربي في زمن التحديات. مجلد 34. عدد 3. الكويت: عالم الفكر.