العولمة والمسالك التي تتخذها.
العولمة هي ظاهرة عالميّة هدفها تعزيز التكامل بين عدد من المجالات الماليّة. والاقتصاديّة والتجاريّة. وغيرها. كما بالإضافة للربط بين القطاعات المحليّة والعالميّة. عن طريق دعم انتقال الخدمات. والمنتجات. ورؤوس الأموال.
هل كان من الممكن للعولمة أن تتخذ مسلكاً أفضل؟ |
وبتعريف آخر نجد أن العولمة عملية تطبقها المنشآت. والمنظمات. والمؤسسات من أجل تحقيق نفوذ دولي. أو السعي لتوسيع العمل المحلي لتلك المنشآت ليتحول إلى عالميّ.
وبمعنى آخر هي دعم القطاع التجاريّ في جميع أنحاء العالم. من خلال المنشآت والمنظمات الكبرى التي تنتج الخدمات والسلع في دول متنوعة (ضمراوي ، 2018)
ما رأيك بالعولمة والمسلك الذي اتبعته؟
من خلال المناقشات المتعددة التي تخص العولمة بمختلف مجالاتها في الاقتصاد والثقافة والصحة والسياسة. يمكن القول إن العولمة سلكت مسلكاً خاطئاً. حيث قسمت العالم إلى شرائح وطبقات. فتشكل لدينا دول نامية وأخرى متقدمة. وتجاوز الفارق بينهما البعد الاقتصادي. ليصل للتدخل في السيادة الوطنية لبعض الدول النامية (البيتي، 2022).
فالعولمة من جهة أولى هي نذير موت يهدد الشعوب والبلدان المهيمن عليها لأنها:
- تهدّد اقتصاداتها عن طريق إدماجها في الاقتصاد العالمي ونهب مواردها وثرواتها.
- إخضاعها لهيمنة القوى الرأسمالية الكبرى. التي تهدّد خصوصيتها الاجتماعية من خلال محاولة تعميق التفاوت والفروقات في مستويات العيش بين دول جنوب العالم وشماله.
- تكريس الفوارق بين طبقتي الأغنياء والفقراء على المستوى المحلي والعالمي.
- إثارة الأزمات الاجتماعية كالبطالة والاحتكار والغلاء المعيشي والهجرة.
ولم تكتف العولمة بهذا إذ تمادت وهدّدت خصوصيّات الدول سياسيّا عبر مصادرة القرار السياسي الوطني وإضعاف سيادة الدول وإخضاعها لإملاءات البنك العالمي وصندوق النقد الدولي ومنظّمة التجارة العالمية وباقي المنظّمات العالمية.. وخصوصيّات الدول ثقافيّا عبر غربنة وأمركة العالم.
أي نشر أنظمة معيشية وطرق تفكير كما في المجتمعات الغربية. وتكريس التجانس على نطاق عالمي. من خلال إشاعة ثقافة استهلاكية موحّدة تقوم بتهديد التنوّع الثقافي (محفوظ،2019).
ومن جهة أخرى تمثل العولمة نذير موت للشعوب المهيمنة، رغم أنها صانعة العولمه لأنها:
- تهدّد قيمها الكونية بإرغامها على تصديرها جنباً إلى جنب مع تصدير سلعها. علماً أن القيم إذا اقتلعت من بيئتها تموت.
- إضعاف أثر ودور القيم الإنسانية داخل المجتمعات الغربية نفسها. ليحل الاستعباد الناعم محل الحرية. الاستغلال محلّ التضامن.
- سلْعنة القيم الكونية بجعل حقوق الإنسان والعدالة والحرية منتج عابر للحدود ليتم استخدامه لابتزاز الشعوب الأخرى وشن الحرب عليها (محفوظ ،2019).
كيف يمكن للعولمة أن تتخذ مسلكاً أفضل؟
من الممكن اتخاذ مسار أفضل للعولمة إذا تم دعم الجهود الهادفة إلى ذلك ومن الأمثلة على ذلك في الوقت الحاضر وثيقة الأخوة الإنسانية التي خرجت في اجتماعات شيخ الأزهر الإمام أحمد. الطيب والبابا فرنسيس. أشادت اليونسكو بهذه الوثيقة وجعلت 4 فبراير يومًا عالميًا للاحتفال بمخرجات الوثيقة (الكرسي الرسولي،4 فبراير 2019).
ما هي مخرجات وثيقة الأخوة الإنسانية؟
للوثيقة أهدافاً عديدة وهي:
- دعت الوثيقة للعيش المشترك. وتطبيق حقوق الإنسان. فالحرية حق لكل إنسان. معتقداً وممارسة وفكراً.
- الاعتراف بحق المرأة في التعليم والعمل وممارسة حقوقها السياسية.
- حقوق الأطفال والمسنين وذوي الاحتياجات الخاصة ضرورة دينية يجب العمل على توفيرها من خلال التشريعات المناسبة.
- دعت الوثيقة لعدم التحدث باسم الأديان وتجريم إكراه الناس لدين محدد أو ثقافة معينة أو فرض أسلوب حضاري لا يناسب الآخر.
- ألغت الوثيقة مفهوم الطبقية بين مناطق الشرق والغرب وأن العلاقة بينهما ضرورة لايمكن الاستغناء عنها.
- التأكيد على أهمية ترسيخ الحقوق الإنسانية العامة بما يسهم في توفير حياة كريمة لجميع أفراد الشرق والغرب.
- حذرت من نشوب حرب عالمية ثالثة. وخاصة بعدما بدأت بوادرها بالتسلح في كل مكان.
ويتم ذلك من خلال الرجوع إلى مثل هذه الوثائق والاتفاقيات وتطبيق ما جاء فيها من إلغاء مفهوم الطبقية. وتأسيس مفهوم التكاملية وضمان العيش المشترك. عندها سنشهد عالماً مزدهراً غنياً بالمعرفة. كما في العصر الإسلامي الذهبي حيث قابله العصور الوسطى الظلامية في أوروبا.
وعلى الرغم من ذلك لم يستخدم المسلمون قوتهم لقمع وسلب حرية الشعوب؛ لأن الشريعة الإسلامية تكفل الحقوق وتقر الواجبات على جميع الأفراد. فالكل سواسية.
وفي ظل هذه الشريعة انتقلت الحضارة العلمية من العالم الإسلامي إلى مناطق أوروبا حيث شهدت بعد ذلك ثورة صناعية عملت على تغيير مجرى التاريخ في تلك الدول.
إلا ان المبادئ التي نهجها الأوروبيون والأمريكيون والذين يطلق عليهم رعاة العولمة المعاصرة لم تتغير. فكانت أشبه بعقيدة " شعب الله المختار" وقد انتقدها الإسلام. (بوابة الأزهر، 4 فبراير 2019).
كيف سيكون العالم إن اتخذت العولمة طريقاً أقل عنفاً وتدميراً وهيمنةً.
ولكي نشهد عالم أقل هيمنة وعنفاً وتدميراً، وبالتالي تجنب نشوب حرب عالمية ثالثة. يتوجب على الكبار وأعني هنا أمريكا والصين أن يقروا بالتعايش المشترك بينهما. بالإضافة لتفعيل دور المنظمات الدولية في إحلال السلام وفرض مبادئ التضامن المشترك وخاصة في ظل الأزمات التي تعترض الدول كما في جائحة كورونا.
وبالتالي نجد أنه في حال اتخذت العولمة مسلكاً أقل عنف وهيمنة سيكون العالم مثله مثل الجسد الواحد. الذي يدعو إلى مساعدة بقية الدول الضعيفة من أجل النهوض بها وإحداث استقرار لصالح البشرية. بالإضافة لتحقيق الرخاء الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. ولكن هذا الرخاء لا يكون لصالح الهيمنة وهجره الكفاءات. وفقدان الثقافة المحلية. والتنوع الثقافي العالمي.
اقرأ أيضاً العولمة - التعامل مع الأوبئة والأمراض المعدية في زمن العولمة.
وجهة نظر شخصية.
كان بالإمكان أن يحقق مسلك العولمة الهدوء و الاستقرار السياسي و الاقتصادي لكثير من الدول بدل نشر الفوضى والدمار.
فتطبيق الاتفاقيات المتعلقة بنزع أسلحة الدمار الشامل و الأسلحة الذرية. بدءاً بالدول المهيمنة على العالم وإيقاف الاتجار بالأسلحة.كما احترام رأي جميع الدول وإلغاء مبدأ الفيتو الذي يعطي صلاحيات لدول كبرى فقط.
وبذلك يكون هناك عدل وسلام في اتخاذ القرارات وإيقاف مبدأ العقوبات الاقتصادية الذي يؤثر على اقتصادات الدول لخدمة مصالح دول معينة. لو تم تطبيق مبدأ العولمة لما شهدنا دمار كثير من الدول العربية و لا المجاعات منتشرة هنا وهناك و تشريد الملايين حول العالم.
المراجع.
- البيتي، حسن محمد عبد الله(2022). هل اتخذت العولمة مسلكاً خاطئاً؟ مدونة البيتي العلمية. متاح على الرابط https://2u.pw/JzNpv.
- الكرسي الرسولي (4 فبراير 2019). وثيقة الأخوة الإنسانية. متاح على الرابط:
- https://www.vatican.va/content/francesco/ar/travels/2019/outside/documents/papa-francesco_20190204_documento-fratellanza-umana.html
- بوابة الأزهر (4 فبراير 2019). وثيقة الأخوة الإنسانية. متاح على الرابط: https://2u.pw/90Cpk.
- ضمراوي، بانا. (2018). موضوع. متاح على الرابطhttps://2u.pw/FEwDv.
- محفوظ، منير. (2019). العولمة تبادل ثقافات أم سحق خصوصية. متاح على الرابطhttps://2u.pw/PoUnn .