من هو فولتير؟
من فلاسفة الغرب الذين سنسلط الضوء عليه هو الفيلسوف فولتير، وهو "فرانسوا ماري أرويه"، فيلسوفاً وشاعراً وأديباً فرنسياً ولد قرب مدينة باريس سنة 1694 م، أما "فولتير" فهو اسمه المستعار الذي خلده، إذ كان في الأصل اسم أرض صغيرة من أملاك والدته (سعده، 1948، ص 11).
حياته ونشأته.
والدته "ماغريت دومون" ابنة أحد موظفي البرلمان الفرنسي، وأخت المراقب العام للحرس الملكي. وكانت امرأة ذكية وقد ورث فولتير عن والدته الذكاء والجرأة.
بينما والده المدعو "ماري أرويه" هو أحد رجال أعمال الدوق، يحمل شهادة في القانون. وقد كان ينتمي إلى طائفة غير معروفة. لا تتمسك بالتقاليد فلا هي كاثوليكية ولا هي بروتستانتية. وورث فولتير من والده سرعة الغضب والدهاء (ديورانت، 1972، ص 252).
تخرج من معهد "لويس لوغران" بعد أن درس القانون كما رغب والده. ثم استأنف تدريبه عند المحاميين. إلا أنه لم يرغب في العمل في المحاماة فاتجه نحو الكتابة والشعر. تعرف على شخصيات عظيمة في إنجلترا، وبدأ بقراءة كتب لشكسبير وملتون (تومي، 2009، ص 9).
مذهبه الفلسفي.
يتضح مذهبه الفلسفي من خلال كتاباته التي عالجت القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية في فرنسا. فضلاً عما ناد به لاستبدال الكهانة بالفلسفة. بهدف تحرير العقل الباطن من خرافات وأباطيل الكنيسة التي لم يكن لها دور مهم في الحياة الفكرية الفرنسية. (القواسمة، 2022، ص 96–98).
كما درس الفلسفة المادية فضلاً عن تعلقه بكل من روح المذهب التجريبي عند لوك وبالفيزياء عند نيوتن. وقد أصبح من أشهر من يدعو لأفكارهما (رايت، 2010، ص 232–233).
اعتنق مذهب التأليه، كانت فلسفته تتجه نحو الأسس التي تقوم عليها الدولة نذكر منها نظام الحكم والحاكم. وفصل الدين عن الدولة. والمساواة والحرية، كان لتبلور الفكر السياسي لدى فولتير. الدور الحقيقي الذي ساهم في تطور المجتمع الفرنسي. له عدة مؤلفات معادية للسلطات الفرنسية السياسية والدينية (طرابيشي، 2006، ص 471-473).
ما هي أهم أفكار فولتير؟
فولتير هو أحد أشهر المفكرين والفلاسفة في التاريخ، ومن أهم القضايا والأفكار التي تناولها فولتير خلال حياته:
الحرية والعدالة.
كان فولتيير مؤمناً بأهمية الحرية في الحياة الإنسانية. انتقد الظلم والفساد في المجتمع. ودافع عن العدالة والمساواة بين الناس. وقد دافع عن حرية التعبير والفكر والدين. فقد اشتهر بدفاعه عن الإنسانية وناقداً للمعتقدات الدينية، فضلاً عن إلحاحه على مبدأ إطلاق الحرية بين الفرنسيين. فقد أكد على حق كل مواطن في نقد أي تصرف يخرج عن المبادئ العامة (القواسمة، 2022، ص 96).
العلم.
كان فولتير مهتمًا بالعلم والتقدم العلمي، وكانت كتاباته نقطة تحول من التاريخ التقليدي إلى التاريخ العلمي، فقد بقي مرشداً ودليلاً لعقول المثقفين. ورسول للتحرر الفكري والعقلي والاستنارة الفرنسية في القرن الثامن عشر. حيث كان ينقد الأحداث ويدعو لاستخدام العقل لإدراك الأمور بشكل صحيح. وأن يكون هناك تاريخ بالمعنى العلمي وعدم الاكتفاء بسرد الأحداث.
حيث كان ينظر للتاريخ بعين الفيلسوف الذي يتوخى الدقة في التاريخ ويرى أن جوهره هو التقدم الذي يحققه الإنسان. وان نظريته في تفسير التاريخ هي التقدم والتكور والإنجازات العقلية للإنسان في مختلف المجالات وخاصة التاريخ (العميدي والجنابي، 2020، ص 5).
الفن.
يغلب على مؤلفات فولتير الأسلوب الأدبي الساخر والطابع المسرحي الناقد. فكانت بمجملها مؤلفات تهتم بالحس الإنساني العام. حيث بلغت إصداراته ما يقارب الخمسة والأربعين مؤلفاً نذكر منها مسرحية أوديب، ملحمة الهزياد، القاموس الفلسفي، الرسائل الفلسفية (الحماديون، 2007، ص 32-33).
يمكن القول إن فولتير كان مفكراً متعدد المجالات، فكان صاحب نهج نقدي تاريخي، يملك الذهن المتطلع إلى كل شيء، فتجذبه جميع القضايا الإنسانية، يعمل على نشر الأنوار لتحرير العقول من سلطة واضطهاد الأحكام السابقة. يؤمن بالفكر الحر وبالعقل. وبأهمية الحرية والعدالة والديمقراطية. وكان يدافع عن حقوق المواطنين، متحملاً كل الظلم بهدف إحياء مجتمع متحرر. كما كان مهتماً بالعلم والفن، مؤمناً بأهمية البحث العلمي ودور الفن في الحياة الإنسانية.
لقد ترك فولتير أثراً كبيراً في التاريخ، وقد أثرت أفكاره على العديد من المفكرين والفلاسفة في العصور التالية، كل ذلك كان سبباً لتسليط الضوء على هذا الفيلسوف العظيم.
أمثلة من وجهة نظره توضح أهم أفكاره الذي اشتهر بها.
من الأمثلة على أفكاره التي اشتهر بها يمكننا أن نذكر:
المثال الأول.
تأثر فولتير في فلسفته بجون لوك، فقد كتب عنه في إحدى رسائله الفلسفية أن لوك قام بالتعديل على الاعتقاد الباطل والذي ينص على أن الإنسان يفكر بصورة مستمرة. إلى أن أفكار الإنسان تأتيه من خلال حواسه.
كذلك فحص الأفكار البسيطة والمعقدة للبشر. فظهر مقدار النقص في اللغات التي يتحدث بها البشر. فضلاً عن السوء في استخدام الكلمات في معظم الأوقات. مما يدل على أن الحواس هي مصدر المعرفة عند فولتير وجون لوك (برجي، 2020، ص 9).
المثال الثاني.
إن مؤلفات فولتير في مجال التاريخ واضحة لا عقدة فيها، فقد استبعد الأفكار الزائفة في كتاباته، كما ابتعد عن التملق. مما أردى بالطغاة والمعتدين في الأرض. كما أرثي المؤرخين الحمقى. حيث وصف البشر بالغباء عندما يضفون الجلال على من اقترف الشر بذكاء.
كما عدّ فولتير البابا إسكندر الثالث من أعظم الرجال في العصور الوسطى. لأنه حاول تحرير العبيد والرق. لذلك نجد أن فولتير يهدف من كتاباته التاريخية لنشر الوعي واستنارة العقول في تلك العصور. التي فرض فيها المتعصبون خرافاتهم. وأن العصور السعيدة هي عصر الأفكار والعقل (العميدي والجنابي، 2020، ص 2).
المثال الثالث.
كان فولتير من أهم المفكرين والفلاسفة الذين ذاع صيتهم في أوروبا بسبب دعوته نحو التسامح. باعتباره أهم مبدأ إنساني، فحارب التعصب والعنف في مختلف كتاباته، التي زاد الطلب عليها من قبل المطالبين بحقوق الإنسان. فقد كان همه الأول أن يكتب عن التسامح بوضوح. ويدافع عن قضية الحرية الإنسانية كلما سنحت له الفرصة.
ففي مختلف كتبه كان يتهجم على التعصب للرأي والعقيدة، والظلم وعدم التسامح. ويوضح فولتير أن اختلاف الإنسان مع الآخر في العقيدة أو الدين لا يجب أن يقابل بالظلم أو التعسف. بل يجب علينا تقبل الآخر واحترام أفكاره. وأن نتمثل بمبدأ التسامح (برجي، 2020، ص 30).
أهمية دراسة البيئة التي نشأ بها مختلف الفلاسفة.
من المهم دراسة تأثير البيئة في تشكيل شخصية وفهم فلسفة والتوجهات الفكرية والثقافية للفيلسوف للأسباب التالية:
- فهم الظروف التاريخية والاجتماعية السائدة في البيئة المحيطة بالمفكرين والفلاسفة. والتي تؤثر بشكل كبير على أفكارهم وتوجهاتهم الفكرية. وتوضيح العلاقة بينهم وبين تلك البيئة، وتأثير ذلك على تشكيل شخصيتهم.
- فهم وتحليل العوامل الثقافية والدينية والاقتصادية والسياسية. التي ساهمت في نشوء فلسفات معينة خلال أزمنة تاريخية محددة. وأثرت في مواضيعهم الفكرية وأساليبهم في التفكير. وفهم كيفية تأثر هذه الفلسفات بالبيئة التي نشأ بها المفكرون والفلاسفة.
- تحليل العلاقة بين الفكر الفلسفي والثقافة والتاريخ والعلوم والفنون. وكيف يؤثر كل منها على الآخر.
باختصار، فإن دراسة البيئة التي نشأ بها المفكرون والفلاسفة تساعد على فهم أفكارهم وتوجهاتهم الفكرية، وتعطينا فكرة أكبر عن الظروف التي أدت إلى نشوء الفلسفات المختلفة في التاريخ.
رأي شخصي حول الأفكار الفلسفية التي قدمها الفيلسوف فولتير.
تميز فولتير بذكائه وخصوبة ذهنه، ومع ذلك عمل على اكتساب قوة نفوذه من خلال اجتهاده فلم يركن لقدراته العقلية فقط. بل كان عامل مجتهد لا يتسلل الكلل والملل إلى نفسه. كما تميز بفكره الفلسفي في الساحة الفكرية. وقد كان للظروف المحيطة التي عاشها.
وخاصة في ظل الثورة الفرنسية الأثر الكبير في تشكيل فكرة التسامح لديه. بسبب الظلم والتعصب والاضطهاد الذي كان يسود المجتمع آنذاك. مما دفع بفولتير بالدعوة لبلورة وفتح آفاق الإصلاح من خلال كتاباته.
المراجع.
- الحماديون، مبارك موسى. (2007). أثر فولتير في فكر رواد النهضة– رفاعة الطهطاوي. أحمد فارس شدياق. فرح أنطون. رسالة ماجستير في الأدب. قسم اللغة العربية وآدابها. جامعة مؤتة. الأردن.
- العميدي، أحمد عبد الرضا رحمان صالح والجنابي، حامد عبد الحمزة محمد علي. (2020). الآراء التاريخية لفولتير وأبرز المفكرين في عصره. العدد 3. المجلد 27. مجلة العلوم الإنسانية. كلية التربية للعلوم الإنسانية. جامعة بابل. العراق.
- القواسمة، محمد نادر قاسم. (2022). الفكر السياسي عند فولتير (1694–1778 م). العدد 56. دورية كان التاريخية. الأردن.
- برجي، منيرة. (2020). فلسفة التسامح عند فولتير. رسالة ماجستير في العلوم الاجتماعية. كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية. جامعة محمد خيضر. بسكرة. الجزائر.
- تومي، عبد القادر. (2009). وجوه الفلسفة. مؤسسة كنوز الحكمة للنشر والتوزيع. الجزائر.
- ديورانت، ول. (1972). قصة الفلسفة. ترجمة: فتح الله محمد المشعشع. ط 2. منشورات مكتبة المعارف. بيروت.
- رايت، وليم كلي. (2010). تاريخ الفلسفة الحديثة. ترجمة محمود سيد أحمد. التنوير للطباعة والنشر. بيروت.
- سعده، سليم. (1948). فولتير. دار المعارف. مصر
- طرابيشي، جورج. (2006). معجم الفلاسفة. ط 3. دار الطليعة. بيروت.