تعتبر أزمتي التضخم والبطالة من أهم التحديات التي تواجه النمو الاقتصادي كل البلدان. فنسب التضخم تمثل مدى فعالية السياسات الاقتصادية المتبعة في كل بلد. فهما ظاهرتان عالميتان ترتبط نسبهما تبعاً لدرجات تقدم وتطور الدول وتأخرها.
ما هو مفهوم التضخم؟
يرتبط مصطلح التضخم بالارتفاع المستمر للأسعار.والذي يشمل أسعار الخدمات والسلع بسبب زيادة الطلب على قدرة العرض (مايكل، 1988، ص430).
تتعرض مختلف الاقتصادات في العالم لظاهرة عالمية تدعى التّضخم. وتعرف بأنه " نقود كثيرة تطارد سلعاً قليلة. فالتضخم إذاً هو ارتفاع مستمر للأسعار ناجم عن ارتفاع في الطلب للسلع والخدمات فائض عن قدرة العرض لهما.
أي أن التضخم يتعلق بالارتفاع المستمر لأسعار السلع والخدمات الموجودة في الاقتصاد. فهو ارتفاع مستمر لفترة زمنية طويلة وليست مؤقتةً (فارس، 2019، ص17).
ما هي أسباب حدوث التضخم؟
ينشأ التضخم بسبب ارتفاع تكاليف عناصر الإنتاج مع رفع سعر الأجور. مع عدم ارتفاع في المستوى الإنتاجي. بالإضافة لزيادة حجم النقود مع عرض ثابت للسلع مما يسبب ارتفاع في الأسعار دون زيادة إنتاجية.
كما أن ارتفاع سعر الفائدة يؤدي للتضخم. ولا ننسى عوامل أخرى كالحصار الاقتصادي والحروب وارتفاع أسعار النفط وزيادة الطلب العالمي والمحلي على السلع (مردس ومحمد، 2023، ص466).
من أهم أنواع التضخم.
وهذا الارتفاع في المستوى العام للأسعار يؤدي لانخفاض القوة الشرائية للأفراد. بسبب أن الأسعار ترتفع بشكل تلقائي وفق حرية السوق لتحقيق التعادل بين العرض والطلب دون وجود أي تدخل من السلطات الحكومية وهو ما يطلق عليه التضخم الصريح أو الطليق.
وعندما تتدخل السلطات عن طريق أنظمة التسعير الاجباري. أو بطاقات المواد المقننة لبعض السلع في محاولة منها للسيطرة على الأسعار فيوصف عندها التضخم بالمكبوت أو المستتر (مردس و محمد، 2023، ص465).
ونتيجة للتضخم والارتفاع المستمر في الأسعار تنشأ بعض الآثار التي تمس حياة المواطنين كأفراد ومجتمع.
ما هو تأثير التضخم على الاقتصاد؟
أما تأثيره على الأنشطة الاقتصادية المختلفة فإننا نجد أن المدينين يستفيدون من التضخم بينما يتضرر الدائنين منه. لأن المدين المقترض لمبلغ ما. سيقوم بتسديده في وقت لاحق بقيمة حقيقية أقل. بسبب ارتفاع الأسعار المستمر.
كذلك فإن التّضخم الشديد والسريع يلحق أضراراً كبيرة بالنمو الاقتصادي. في الوقت الذي قد يكون فيه التضخم البطيء أو المعتدل دافعاً للنمو. وطبعاً كل ذلك محكوم بمدى صوابية القرارات الحكومية.
ما هي البطالة وما هي أسبابها؟
تعرف البطالة بأنها الانقطاع الإجباري لعدد معين من الأشخاص أو الأفراد القادرين على العمل. وعدم إمكانية حصولهم على العمل رغم رغبتهم في العمل (الوزني والرفاعي، 1999، ص265).
بمعنى آخر يمكن تمثيل البطاله بأنها الفجوة بين المعروض من العمل (العرض) عما هو مطلوب منه (الطلب).
كما يمكن التعبير عن البطالة من خلال معدل البطالة. والذي يمثل النسبة بين عدد العاطلين عن العمل إلى القوة العاملة. وتركز غالبية الدول على إبقاء هذا العامل منخفضاً.
وتعود أسباب البطالة إلى فشل خطط التنمية الاقتصادية. والطبيعة الديمغرافية ولاسيما ارتفاع نسبة فئة الشباب والذي يعبر عنه بنمو قوة العمل السنوية. انخفاض الطلب على العمالة غير المؤهلة.
ومن أسباب حدوث البطالة هو اختلال توازن سوق العمل. بحيث يبقى جزء من قوة العمل الموجودة في المجتمع غير قادرة على الحصول على عمل منتج. رغم قدرته ورغبته في القيام بالعمل. وتبعاً لتعريف منظمة العمل الدولية.
فالعاطل عن العمل هو الفرد القادر على العمل والذي بلغ سن مناسبة للعمل، ويبحث عنه لكنه لا يجده" (مردان، 1977، ص 184).
العلاقة بين التضخم والبطالة وتأثيرها على السياسة الحكومية.
تعتبر البطالة من أبرز المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية. وقد احتل موضوع البطاله والتضخم الكثير من الدراسات والأبحاث في الفكر الاقتصادي لإيجاد العلاقة بينهما وتأثير ذلك على الاقتصادات في مختلف البلدان. فالمجتمع همه الرئيسي هو تخفيض معدلات البطالة والتّضخم، والذي يصعب تحقيقه في القطاع الاقتصادي.
وبالتالي تمثل العلاقة بين التضخم والبطالة من أكثر القضايا المثيرة للجدل في الاقتصاد. حيث تتباين وتختلف الآراء بين المتخصصين في هذا الصدد.
حيث يرى بعض الخبراء وجود علاقة عكسية بين التّضخم والبطاله. كما يزداد معدل التضخم عندما يكون معدل البطالة منخفضاً. والعكس صحيح، في حين يرى آخرون أن العلاقة بينهما مباشرة. حيث يزداد معدل البطالة عندما يزداد معدل التضخم.
أما العلاقة بين التضخم والبطالة وتأثيرها على السياسة الحكومية مع مرور الزمن فقد رأينا أن تخفيض البطالة هو هدف رئيسي للقائمين على الاقتصاد. بهدف تحقيق توظيف كامل للموارد بما فيها المورد البشري. إلا أنه أثناء عملها على تحقيق هذا الهدف قد يؤثر ذلك سلباً على تحقيقها لأهداف أخرى ليست أقل منها أهمية، ويأتي هدف استقرار المستوى العام للأسعار (كبح التضخم) في مقدمة تلك الأهداف (فارس، 2019، ص25).
فتخفيض معدل البطالة وزيادة عدد العمالة يولد دخول إضافية على مستوى الأفراد تنعكس قدرة شرائية تساهم في الطلب الكلي. وفي حال عدم القدرة على زيادة الإنتاج (زيادة العرض) بما يتناسب مع زيادة الطلب فإن الأسعار سترتفع.
ليكون التضخم هو النتيجة التي سيصل المجتمع إليها في مقابل الحد من البطالة أو القضاء عليها. في ذات الوقت فإن محاولة القضاء على التضخم أو الحد منه ستعني قبول معدلات بطالة أعلى.
العلاقة بين التضخم والبطالة في الأجل القصير.
يمكننا التفكير في أن العلاقة بين التّضخم والبطاله ستتغير بشكل ملحوظ في الأجل القصير. حيث يرتفع معدل التضخم بشكل كبير في فترات عدم الاستقرار والركود الاقتصادي.
حيث يحدث تضخم مفاجئ وغير متوقع، فتنخفض أجور العمال ويطالبون بالزيادة مما يدفع بمدير العمل بتسريح بعض العمال. وبالتالي تتزايد نسبة البطالة في هذه الفترات نظراً لتراجع الأنشطة الاقتصادية وتراجع الإنتاجية (قنوني وآخرون، 2014، ص114).
وفي الأجل القصير، يرى السريتي ونجا (2008، ص308) أن العلاقة بين التضخم والبطالة تتغير بصورة واضحة. حيث يرتفع معدل التضخم بشكل واضح وكبير في فترات الركود الاقتصادي. ويتزايد معدل البطالة في هذه الفترات بسبب تراجع إنتاجية الأنشطة الاقتصادية.
وتكون العلاقة عكسية بين معدل التّضخم ومعدل البطاله، بسبب أنه في وجود ظروف رواج وزيادة في الطلب الكلي على المنتجات والخدمات سوف يزداد طلب العمالة للتوظيف فتنخفض نسبة البطالة، ويزداد التضخم ويرتفع الطلب على السلع فترتفع الأسعار.
العلاقة بين التضخم والبطالة في الأجل الطويل.
تتحول العلاقة بين البطاله والتضخم إلى علاقة مباشرة، حيث يؤدي ارتفاع معدل التضخم إلى زيادة معدلات البطالة. وذلك نظراً لتراجع القدرة التنافسية للمنتجات المحلية وزيادة تكاليف الإنتاج.
وبالتالي استمرار في ارتفاع أسعار المنتجات والسلع. لذا يقوم العمال بالمطالبة برفع أجورهم النقدية. (قنوني وآخرون، 2014، ص119).
ونستنتج أن التضخم هو ظاهرة اقتصادية طبيعية تمر بها معظم الاقتصادات على مستوى العالم نتيجة لأسباب مختلفة. وهذه الظاهرة قد تكون ضارة للاقتصاد واستقراره، ويمكن أن تكون فرصة للنمو.
ومن أجل مواجهة هذه الظاهرة. كان الدعم الحكومي عاملاً حيوياً ومهماً لمساعدة الأفراد والمنظمات والشركات للوصول لمرحلة الانتعاش الاقتصادي. كل ذلك منوط بالسياسات المالية والنقدية التي ستنتهجها السلطات المختصة للتعامل مع الظاهرة.
كذلك الأمر بالنسبة للبطالة هي أيضاً من ظواهر الاقتصاد المختلفة في العالم. تنجم عن الفجوة بين المعروض من قوة العمل والطلب عليه.
لذلك تتبع الحكومات استراتيجيات وسياسات مختلفة بهدف تحقيق التوازن بين مستويي التضخم والبطالة. من خلال الحد من الإنفاق الحكومي. وتنظيم الأسعار، وزيادة الإنتاجية مع تشجيع الاستثمارات. إلا انه يتوجب على الحكومات تجنب زيادة الطلب الكلي الذي يسهم في رفع معدل التضخم.
وفي هذا الصدد، يشير بعض المختصين إلى ضرورة تبني إجراءات وسياسات نقدية انضباطية وتحفظية. بهدف الحد من التضخم مع تخفيض المديونية. وتخفيض العجز يساهم في كبح زيادة الطلب الكلي والتضخم. فلا يحتاج البنك المركزي لرفع أسعار الفائدة كثيراَ (أدريان وغاسبار، 21 نوفمبر 2022).
ويجب معالجة الظاهرة بحكمة من قبل سلطات الدولة بحيث لا تؤدي عملية القضاء على البطالة أو الحد منها إلى الوقوع في فخ التضخم. كذلك يجب ألا يولد مكافحة التضخم إلى ارتفاع معدلات البطالة. ومن الممكن أن يكون زيادة الانتاج المترافق مع زيادة الدخول بشكل متناسق . هو الحل الذي يضمن ضبط ظاهرتي التضخم والبطالة.
في الختام 👈 يمكن القول إن العلاقة بين التضخم والبطالة تعد من المواضيع المثيرة للجدل في الاقتصاد. حيث يختلف الرأي بين المتخصصين في هذا الصدد. ومن أجل مواجهة هذه الظاهرة. تتبع الحكومات سياسات مختلفة تهدف إلى تحقيق التوازن بين التضخم والبطاله. وذلك من خلال تنظيم الأسعار والحد من الإنفاق الحكومي وزيادة الإنتاجية وتشجيع الاستثمارات.
المراجع.
- أدريان، توبياس وغاسبار، فيتور. (21 نوفمبر 2022). كيف يمكن للانضباط المالي أن يساعد في مكافحة التضخم. IMF BLOG. تم الاسترجاع من الرابط https://www.imf.org/ar/Blogs/Articles/2022/11/21/how-fiscal-restraint-can-help-fight-inflation
- السريتي، السيد محمد أحمد ونجا، علي عبد الوهاب. (2008). النظرية الاقتصادية الكلية. الإسكندرية: الدار الجامعية للنشر.
- الوزني، خالد واصف والرفاعي، أحمد حسين. (1999). مبادئ الاقتصاد الكلي بين النظرية والتطبيق. ط1. عمان: دار وائل للنشر والتوزيع.
- فارس، ناجي ساري. (2019). العلاقة بين التضخم والبطالة في الاقتصاد السعودي. العراق: المجلة العراقية للعلوم الاقتصادية.
- قنوني، حبيب وبن عدة، محمد وريغي، مليكة. (2014). البطالة والتضخم في الجزائر – دراسة العلاقة بين الظاهرتين بين "1990 – 2013". العدد 11. الجزائر: مجلة العلوم الاقتصادية والتسيير والعلوم التجارية.
- مايكل، إيدجمان. (1988). الاقتصاد الكلي بين النظرية والسياسة. ترجمة إميل بديع يعقوب. الرياض: دار المريخ للنشر.
- مردان، طاهر. (1977). مبادئ الاحصاء الاقتصادي. الأردن: دار المستقبل للنشر والتوزيع.
- مردس، سليمان خليفة، ومحمد، معتز آدم عبد الرحيم. (2023). العلاقة السببية بين التضخم والبطالة في السودان للفترة 2005-2021 م. المجلد 10. العدد 1. السودان: مجلة الدراسات المالية والمحاسبية والإدارية.