المجتمع الصالح وفلاسفة الغرب توما الأكويني وأفلاطون وارسطو
يعتبر الفلاسفة الثلاثة أفلاطون وأرسطو وتوما الأكويني من أهم المفكرين في تاريخ الحضارة الغربية. عاش أفلاطون وأرسطو في اليونان القديمة. بينما عاش توما الأكويني في العصور الوسطى. أثرت أفكارهم بشكل كبير على الفلسفة والعلوم والسياسة والدين. لاتزال مُؤلفاتهم تُقرأ وتُدرس حتى اليوم.
من المعلوم أن كلاً من أفلاطون وأرسطو كانوا من كبار الفلاسفة والمفكرين الذين اختلفوا في نظرتهم وتفسيرهم لبعض المفاهيم الفلسفية. ومن الملفت للنظر أن أفلاطون كان معلم لأرسطو. إلا أنهم اختلفوا في الآراء.
من هو ارسطو وماذا فعل؟
أرسطو.
ولد أرسطو في استاغيرا (384 – 322ق.م). كان تلميذاً لأفلاطون. فتأثر بفلسفته. إلا انه انفصل عنه. لُقب بالمعلم الأول لأنه عرف جميع العلوم وخاصة المنطق. أنشأ مدرسة اللوقيون وكان يلقي دروسه على تلامذته من حوله. وهو يمشي. لذلك سميت فلسفته بالمشائية. كان لفلسفته أثراً واضحاً حتى وقتنا هذا. (المكصوصي،2022، ص761).
ما هي اهم افكار ارسطو؟
- تناول أرسطو الطبيعة البشرية بصورة واقعية. عبر رفضه لنظرية المثل العليا التي أقرها افلاطون – رغم تأثره به – حيث ربط الإنسان بواقعه الاجتماعي بحيث لا يمكن أن ينفصل عنه. ويرى أرسطو أن الإنسان مكون من روح وجسد. وبالتالي فهو طبيعة وسطى. فهو أسمى وأعلى مرتبة من الحيوانات. إلا أنه أدنى وأقل مرتبة من الآلهة.
- ورغم ذلك فهو يشترك ويتقاطع مع بقية الكائنات في صفات عديدة. فهو كالنباتات تنمو وتتكاثر وتموت. وهو كالحيوانات يتحرك بنشاط ويملك رغبات وغرائز وانطباعات حسية. كما أنه يتميز بامتلاكه بعض الملكات كملكة العقل والتأمل (عبد العال، 2005، ص194).
- يرى أرسطو أن قوى النفس البشرية كالقوة النزوعية والغاذية والمحركة – ماعدا القوى العقلية – تمتلكها جميع الكائنات. حيث أن الحيوانات تملك القوى الحسية والغرائزية. بينما يملك النبات القوة الغائية فقط. إلا ان الإنسان كان ما يميزه هو سمة العقل والتفكير. (محمود، 2015، ص28).
- يرى أرسطو أن الإنسان شخص خيِر بشكل عام. والخيرات تظهر خارجية في الجسد. وداخلية في الروح والنفس. أي أن الجانب الإيجابي والداعي للخير يتولد عن طريق الفطرة التي ولدت مذ خلق. وجانب آخر للخير يتولد من خلال استعداده وقدراته في حال توافرت له التربية الصحيحة.
- كما يقر أرسطو أن الفرد البشري ميّال ليعيش بعيداً عن العزلة بل يسعى للعيش ضمن المجموعة . وفي نظره فإن الدولة هي المجتمع الأمثل الذي يستوعب كل الجماعات. (قرني، 2001، ص25-26).
- يرى أرسطو أن تربية الإنسان تركز على تنمية القوة والقدرة العقلية التي تميز وتفرد بها البشر من أجل ترقية الجوانب الخيرة ليتم توظيفها بهدف العناية بالمكون الآخر وهو الجسد. وبالتالي يتمكن من العيش مع الجماعة ليوظف إمكاناته وقدراته الخيرة – بعد تنميتها بالتربية السليمة – لخدمة هذه الجماعة. لذلك كانت فكرة الثنائية هي المصدر الأساسي للتربية. وأن التربية هي مجهود الإنسان بهدف الوصول كمال العقل وهزم الشر. (مرسي، 1988، ص147).
- فالهدف التربوي عند ارسطو يتناسب مع مفهومه للطبيعة الإنسانية. فهو يشابه افلاطون في ربطه للطبيعة الإنسانية بالمجتمع. فجعل التربية جزءاً من سياسة الحكومة. وأن أي إصلاح اجتماعي أو سياسي يجب أن يرافقه تربية تكمل الفرد منذ الصغر. من أجل أن يتماشي مع متطلبات النظام الحكومي في الدولة. فواجب الدولة هو توفير سبل الرخاء للمواطنين والتربية إحدى سبل الرخاء وبالتالي تعتبر من مسؤولياتها.
أفلاطون.
ولد أفلاطون[1] في سنة (430 ق.م) لدى عائلة أرستقراطية تشارك في حكم أثينا. كان مولعاً بالفلسفة. سمع بسقراط وهو في سن العشرين من العمر. فانضم إلى تلامذته وبقي برفقته يتعلم منه لمدة ثماني سنوات.
وكان معجباً بمعلمه أشد الإعجاب. لدرجة أنه كتب عنه صوراً قوية خالدة. فكان لتعاليم سقراط الأثر الأكبر في حياة أفلاطون. يستقي منها التفكير(محمد المقدم، 2018، ص1105).
ما هو المذهب الذي اسسه أفلاطون؟
أسس أفلاطون مذهبًا فلسفيًا يُعرف باسم الأفلاطونية. يُعدّ هذا المذهب من أهم المدارس الفلسفية في العالم الغربي. وقد ترك تأثيرًا عميقًا على الفكر الغربي على مدار القرون.
أفكار أفلاطون.
- نظرية المثل: يرى أفلاطون أن هناك عالمًا مثاليًا منفصلًا عن عالمنا المادي. في هذا العالم المثالي. توجد "المثل" الأبدية والكاملة لكل شيء موجود في عالمنا. على سبيل المثال. يوجد مثل "الخير" المثالي. ومثل "الجمال" المثالي. وهكذا.
- نظرية المعرفة: يرى أفلاطون أن المعرفة هي تذكر للمثل. عندما نرى شيئًا جميلًا في عالمنا. على سبيل المثال. فإننا نتذكر المثل "الجمال" المثالي الذي رأيناه في العالم المثالي قبل أن نولد.
- نظرية النفس: يرى أفلاطون أن " النفس خالدة "[2] وأنها موجودة قبل وبعد الحياة الجسدية. ولم تكن أكذوبة فقد اعتمدها الفلاسفة بعده واعتبرها سقراط ومحاوريه مقبولة (الحلواني، 2017، ص8).
- نظرية الدولة المثالية: يرى أفلاطون أن الدولة المثالية يجب أن يحكمها الفلاسفة.
كان للأفلاطونية تأثير عميق على الفكر الغربي. لقد تأثر العديد من الفلاسفة اللاحقين بأفكار أفلاطون. بما في ذلك أرسطو. والقديس أوغسطين. وفرانسيس بيكون. ورينيه ديكارت.
من أهم ما جاء في فلسفة أفلاطون.
- اهتم افلاطون بالإنسان ودراسة وجوده متأثراً بسقراط. حيث أكد ان هدف الإنسان وغايته هو البحث عن الحياة الصالحة التي تضمن الحياة الهنيئة والسعادة والخير له. فركز على الفضائل الثلاث – وفقاً لوجهة نظره – وهي الخير والحق والحياة. وبنى علاقتهما ببعض. حيث يتموضع الخير في اعلى مرتبة.
- اعترف أفلاطون بثنائية الطبيعة. وأن الفرد مكون من جوهرين. أحدهما هو النفس ويعود لعالم المثل. والآخر هو الجسد ويعود لعالم الحس. وبما أن النفس من عالم المثل فهي إلهية وباقية وأزلية وتسبق الجسد في الوجود وتبقى بعد الموت.
- يؤكد أفلاطون على اختلاف طبيعة هذه المكونات. والتي تتحدد منها الطبيعة الإنسانية بشكل نهائي بالوراثة. وأنها ثابتة لا تتغير منذ الولادة وأن الروح خالدة. بعكس وجهة نظر السفسطائيين الذين يؤكدون أن الإنسان هو من يصنع حياته من خلال عمله وجهده ولايمتلكها بالوراثة.
- يرى أفلاطون أن الهدف الفلسفي من التربية هو الوصول إلى معرفة الخير عن طريق إصلاح الفرد والمجتمع. عبر تطوير هذه المعرفة. وتنمية طبع النفس البشرية على الخير والحق والجمال.
- كما ربط أفلاطون الفلسفة بالإنسان وشؤون المجتمع. مع الالتزام بقانون أخلاقي يعمل على تماسك المجتمع ويعيد قوته (محمود، 2015، ص25).
مقارنة بين أفلاطون وأرسطو ورأي شخصي.
بالمقارنة بين أرسطو وأفلاطون أتفق مع أرسطو في أفكاره الفلسفية الذي كان أكثر واقعية. ويسعى لتطوير طريقته في التفكير. فكان يبحث لمعرفة كل شيء من خلال الواقع. ويرى أن لجميع البشر وظيفة محددة. هذه الوظيفة ترتبط فقط بدور الفرد في المجتمع. ووضح ذلك بأن على الفرد أن يقوم بالممارسة الجيدة للأعمال. هذه هي الفكرة العملية لدى أرسطو.
اما أفلاطون فكان الفيلسوف المثالي. الذي حدد مخطط بقصد وصف أشياء معينة. من خلال تحديدها تبعاً لخصائصها. فكان أبعد عن الواقعية.
أصل المجتمع الصالح وفقاً لرأي توما الاكويني.
كان القديس توما الأكويني فيلسوفًا وعالمًا لاهوتيًا من العصور الوسطى. يُعتبر من أهم المفكرين في الكنيسة الكاثوليكية. وقد تأثر بشدة بأفكار أرسطو (فريق دار الأكاديمية، 2022/5/29).
يرى توما الأكويني أن المجتمع الصالح ينبثق من الطبيعة البشرية. فالإنسان هو كائن اجتماعي بطبعه. وهو بحاجة إلى العيش مع الآخرين لتحقيق سعادته. وقد حدد أربعة عناصر أساسية للمجتمع الصالح وهي كالتالي:
- العدالة: يجب أن يكون المجتمع عادلاً. بحيث يتمتع كل فرد بحقوقه ويحترم حقوق الآخرين.
- الحكمة: يجب أن يحكم المجتمع حكماء يملكون المعرفة والفضيلة.
- الشجاعة: يجب أن يكون أفراد المجتمع شجعانًا ويدافعون عن الحق والعدل.
- الاعتدال: يجب أن يلتزم أفراد المجتمع بالاعتدال في جميع أمورهم.
يرى توما الأكويني أن الدولة تلعب دورًا مهمًا في ضمان تحقيق المجتمع الصالح. فالدولة مسؤولة عن:
- سنّ القوانين العادلة: يجب على الدولة سنّ القوانين التي تضمن حقوق جميع أفراد المجتمع.
- حماية الحقوق: يجب على الدولة حماية حقوق أفراد المجتمع من الظلم والاعتداء.
- تعزيز الفضيلة: يجب على الدولة تعزيز الفضيلة بين أفراد المجتمع.
يرى توما الأكويني أن الدين والدولة يجب أن يعملان معًا لتحقيق المجتمع الصالح. فالدين يقدم للإنسان القيم الأخلاقية التي يجب أن يتبعها. بينما توفر الدولة الإطار القانوني والسياسي الذي يسمح للإنسان بعيش حياة فاضلة.
وقد استخدم القديس توما الأكويني في – رأيه لأصل المجتمع الصالح – المفاهيم الفلسفية لأرسطو بهدف دعم فلسفته الواقعية. التي جعلت الإنسان هو مركزالحياة و الكون. ولأجل هذا الإنسان سخر الله جميع المخلوقات والموجودات في الوجود. باعتبار أن الإنسان هو أرقى المخلوقات لما يتمتع ويتميز به من عقل وتفكير ونطق.
فقال الأكويني أن النفس البشرية تهدف لتحقيق أسمى الأهداف وهو السعادة. والعقل هو صلة الوصل بين الإنسان وما يريده من الدنيا. ويلبي متطلباته في محاولة الوصول إلى المعرفة والحرية الفكرية. ومثال عليها تحقيق الأهداف التربوية( اليماني، 2004، ص76-77).
ليخلق فرد صالح هدفه صلاح المجتمع. وبالتالي فإن اتحاد مجموعة من الأفراد الصالحين يمكنه تكوين المجتمع الصالح.
يُنتقد رأي توما الأكويني من قبل بعض المفكرين على أنه مثالي للغاية. فمن الصعب تحقيق جميع العناصر التي حددها توما الأكويني للمجتمع الصالح.
في الختام 👈 كان لكل من أرسطو وأفلاطون دوراً مميزاً على مر العصور. حيث قدم أرسطو العديد من المساهمات في الميتافيزيقيا والمنطق والأخلاق والسياسة. ومختلف العلوم. كما كان أفلاطون أحد من الفلاسفة الأكثر شهرة على نطاق واسع في مختلف المجالات.
المراجع.
- الحلواني، ناصر. (2017). أساطير أفلاطون. مجلة حكمة للنشر والتوزيع. مترجم عن موسوعة ستانفورد للفلسفة.
- المكصوصي، فرح رحيم مسير (2022): مفهوم النفس في فلسفة أرسطو. المجلد 1. العدد 44. مجلة لارك للفسلفة واللسانيات والعلوم الاجتماعية. قسم الفلسفة في كلية الآداب. جامعة واسط.
- اليماني، عبد الكريم (2004): فلسفة التربية. دار الشروق. دمشق.
- عبد العال، عبد الرحمن عبد العال (2005): الإنسان لدى فلاسفة اليونان في العصر الهلليني. دار الوفاء. الإسكندرية.
- فريق دار الأكاديمية. (2022). فكر الأكويني. تعريب لملخص محاضرة قدمها الطبيب مصعب قاسم عزاوي باللغة الإنجليزية في مركز دار الأكاديمية الثقافي في لندن. حكمة. تم الاسترجاع من الرابط https://hekmah.org/%D9%81%D9%83%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%83%D9%88%D9%8A%D9%86%D9%8A/.
- قرني، عزت (2001): أفلاطون في الفضيلة. دار قباء للطباعة والنشر. القاهرة.
- محمد المقدم، جيهان نور الدين (2018): الجانب الأخلاقي عند أفلاطون – عرض وتحليل. الجزء الثاني. العدد الثامن. حولية كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بالزقازيق. مصر.
- محمود، ديما عيسى (2015): الطبيعة البشرية عند فلاسفة التنوير الفرنسي وأبعادها التربوية – دراسة تحليلية مقارنة. أطروحة دكتوراه في أصول التربية. كلية لتربية. جامعة دمشق.
- مرسي، محروس سيد (1988): التربية والطبيعة الإنسانية. ط1. دار المعارف. القاهرة.
[1] أفلاطون - موسوعة ستانفورد للفلسفة: https://plato.stanford.edu/entries/plato/
[2] Partenie, Catalin, "Plato's Myths", The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Summer 2014 Edition), Edward
N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/sum2014/entries/plato-myths/>