الضرورة النفعية من منظور أخلاقي
تمثل المنفعة أو النفعية مذهباً فلسفياً في الأخلاق. ويقوم على مبدأ تقييم الأفعال بمقدار ماتنتجه من منافع. تبعاً لمبدأ السعادة الكبرى. ويعني ضرورة سعي الإنسان لتحصيل أكبر قدر ممكن من المنفعة (بكري، 2018، ص156).
فالسعادة هي غاية الإنسان. وسعادته تعتمد على حالته النفسية. ويسمى مذهب السعادة الشخصية او مذهب المنفعة. ويشير إلى ان الإنسان ينبغي أن يطلب أكبر لذة لشخصه. وأن يوجه أعماله للحصول عليها. ويجب التمييز بين اللذة العقلية واللذة الجسمية سريعة الزوال. فخير اللذائذ هي راحة البال وطمأنينة النفس (أمين، 2014، ص39).
كيف تمثل لعبة "اليانصيب" نموذجاً عن وحش النفعية؟
تمثل المنفعة أو النفعية مذهباً فلسفياً في الأخلاق. ويقوم على مبدأ تقييم الأفعال بمقدار ماتنتجه من منافع. تبعاً لمبدأ السعادة الكبرى. ويعنيي ضرورة سعي الإنسان لتحصيل أكبر قدر ممكن من المنفعة (بكري، 2018، ص156).لعبة "اليانصيب" تمثل نموذجاً عن "وحش النفعية" من خلال عدة جوانب توضح كيف يمكن لنظام مصمم على أساس الربح والتسلية أن يقوم باستغلال الأفراد. بغض النظر عن وضعهم الاقتصادي أو الاجتماعي. لتحقيق أرباح ضخمة لمصلحة الجهات المنظمة.
ويمكننا تحليل هذا النموذج من خلال بعض النقاط التالية:
1. إعادة توزيع غير عادل للأموال.
"وحش النفعية" في سياق اليانصيب يظهر في طريقة إعادة توزيع الأموال. حيث يشتري الناس تذاكر على أمل الفوز بالجائزة الكبرى. بينما في الواقع فإن الأغلبية العظمى لا تفوز. فالأموال التي يتم جمعها من بيع التذاكر تكسبها الجهة المنظمة. والحظ فقط هو من يحدد الفائز.وبالتالي. يعيد اليانصيب توزيع الأموال بصورة عشوائية وغير عادلة. فقد تذهب الجائزة الكبرى لشخص غني لا يحتاجها. بينما يخسر الأفراد البسطاء أموالهم في محاولات اللعب للفوز بالمال لتحسين أوضاعهم المعيشية.
2. استغلال الفئات الضعيفة.
اليانصيب يجذب بشكل كبير الأفراد من الفئات الاقتصادية الضعيفة الذين يرون في لعبة اليانصيب فرصة لتحسين أوضاعهم المالية. مما يؤدي إلى استغلال حاجتهم وأملهم في تحسين معيشتهم. حيث ينفقون مبلغاً من دخلهم الضئيل على التذاكر بدلاً من توجيه هذه الأموال لأمور استثمارية مضمونة. بذلك. يمكن القول إن اليانصيب يستغل الضعف الإنساني والأمل في تحقيق حياة أفضل.3. إغراء الفوز السهل.
"وحش النفعية" يتمثل أيضاً في إغراء الفوز السهل والسريع. حيث إن فكرة أن الإنسان قد يصبح غنياً بين ليلة وضحاها عن طريق لعبة اليانصيب تخلق إغراءً قوياً بداخله. يدفعه إلى الإنفاق المتكرر على التذاكر. مما يؤدي إلى خسارة مستمرة للمال دون تحقيق أي عائد ملموس لمعظم الناس. لذلك فاللعبة تستغل هذا الإغراء لتحقيق مكاسب ضخمة على حساب الأفراد.4. التأثير النفسي والاجتماعي.
اليانصيب قد يسبب تأثيرات نفسية واجتماعية سلبية. حيث إن الأشخاص الذين يخسرون باستمرار قد يشعرون بالإحباط والقلق. وقد يتعرضون لضغوط مالية نتيجة الإنفاق المستمر على شراء التذاكر. ومن جهة أخرى فإن الفوز الكبير غير المتوقع يمكن أن يسبب تغيرات جذرية وسلبية في حياة الأفراد. كتدهور العلاقات الاجتماعية أو الإسراف في الإنفاق.5. الدعم الحكومي والشرعية.
الكثير من الحكومات تدعم وتنظم اليانصيب. مما يمنحه شرعية ويجعله يبدو وكأنه نشاط عادي ومقبول. هذا يساهم في انتشار اللعبة وزيادة عدد المشاركين. رغم أن الحكومات تستفيد من العائدات الضريبية الناتجة عن بيع التذاكر. بذلك. يمكن القول إن الحكومات تساهم في تعزيز نموذج "وحش النفعية" من خلال تشريع ودعم اليانصيب.من منظور أخلاقي وضح لنا رؤيتك سواء مع أو ضد "اليانصيب" من خلال تناولك لمذهب النفعية بالنقد والتحليل؟
من منظور أخلاقي. يمكن تناول مسألة "اليانصيب" من خلال تحليلها ونقدها وفقًا لمذهب النفعية. الذي يركز على تحقيق أكبر قدر من السعادة لأكبر عدد من الناس.من وجهة نظر شخصية أتفق مع "اليانصيب" من منظور النفعية من خلال النقاط التالية:
1. زيادة الإيرادات الحكومية:
حجة نفعية مؤيدة: فالإيرادات التي تحققها الحكومات من اليانصيب تُستخدم في تمويل مشاريع البنية التحتية. التعليم. الرعاية الصحية. والبرامج الاجتماعية الأخرى. مما يؤدي إلى تحسينات كبيرة في جودة الحياة للمجتمع ككل. مما يعزز الرفاهية والسعادة العامة.وإذا كانت الفوائد الناتجة عن تمويل هذه المشاريع تغطي وتفوق الأضرار التي تلحق بالأفراد الذين يخسرون أموالهم في اليانصيب. يمكن القول إن اليانصيب يحقق مبدأ النفعية.
2. الإثارة والترفيه:
حجة نفعية مؤيدة: اليانصيب يوفر ترفيهاً وإثارة للكثير من الناس. الذين يستمتعون بفكرة الفوز المحتمل بالجائزة الكبرى. هذا الإحساس بالإثارة والمتعة يمكن أن يضيف إلى سعادتهم العامة.وإذا كانت المتعة والإثارة التي يحصل عليها الانسان تساهم بشكل كبير في سعادته اليومية دون أن تسبب له خسائر مالية كبيرة. عندئذ يمكن اعتبار اليانصيب وسيلة مقبولة لزيادة السعادة.
ومن وجهة نظر أخرى ترفض "اليانصيب" من منظور النفعية من خلال النقاط التالية:
1. الاستغلال المالي للفئات الضعيفة:
حجة نفعية معارضة: الفئات والشرائح الاقتصادية الأضعف تنفق مبالغ كبيرة من دخلها المحدود على شراء تذاكر اليانصيب. مما يزيد من معاناتهم المالية بدلاً من تحسين أوضاعهم المعيشية.وهذا يؤدي إلى تدهور حياتهم ويزيد من الفجوة الاقتصادية بين شرائح المجتمع. وبالتالي إذا كانت الخسائر التي يتحملها الأفراد الأكثر ضعفاً تفوق الفوائد التي تحققها الإيرادات الحكومية. فإن اليانصيب يؤدي إلى انخفاض وانعدام السعادة الإجمالية في المجتمع.
2. تأثيرات نفسية سلبية:
حجة نفعية معارضة: الأشخاص الذين يخسرون باستمرار في اليانصيب قد يعانون من الإحباط والصدمة والقلق المالي. هذا يمكن أن يؤدي إلى تأثيرات نفسية سلبية طويلة الأمد تعيق سعادتهم. وتؤثر بشكل كبير على رفاهية الأفراد. وبالتالي فإن الأضرار التي يسببها اليانصيب تتجاوز الفوائد المتوقعة. مما يجعله غير أخلاقي من منظور النفعية.3. إعادة توزيع غير عادل للأموال:
حجة نفعية معارضة: اليانصيب يعيد توزيع الأموال بطريقة عشوائية وغير عادلة. حيث يمكن أن تذهب الجائزة الكبرى لشخص غني بالفعل. بينما يخسر الفقراء أموالهم. وبالتالي فهذا يعزز عدم المساواة ويضر بالفئات الفقيرة. ويعزز الفجوة بين الأغنياء والفقراء. فإنه يقلل من العدالة الاجتماعية وبالتالي يقلل من السعادة الإجمالية.هل من الممكن استحسان لعبة اليانصيب وتقبلها أخلاقياً من منظور أنها تقدم مكسب ورفاهية للفائز. والمتعة والإثارة في اللعب للخاسر؟
تحليل اليانصيب من منظور أخلاقي يتطلب التوازن بين الفوائد المحتملة والأضرار الناجمة عنه. لنناقش الجوانب التي قد تجعل من الممكن استحسان اللعبة وتقبلها أخلاقياً:1. المكسب والرفاهية للفائز:
- حجة مؤيدة: الفائز بالجائزة الكبرى يحصل على مبلغ كبير من المال يمكن أن يحسن حياته بشكل كبير. هذا المكسب يمكن أن يساعده في تسديد الديون. شراء منزل. أو تحقيق أحلام أخرى.وإذا كانت فرص الفوز متساوية للجميع وإذا كان الفائز يستخدم المال بطرق تعود بالفائدة عليه وعلى المجتمع. يمكن القول إن هذا الجانب إيجابي من اللعبة.
2. المتعة والإثارة للخاسر:
- حجة مؤيدة: اليانصيب يقدم متعة وإثارة للمشاركين. حتى لأولئك الذين لا يفوزون. الشعور بالتشويق وانتظار النتائج يمكن أن يكون تجربة ممتعة تسهم في رفاهية الأفراد النفسية. ولا تؤدي إلى مشاكل مالية أو نفسية كبيرة. نعتبر هذه الفائدة كجزء من مبررات اللعبة.3. التمويل المجتمعي:
- حجة مؤيدة: العائدات من اليانصيب تستخدم غالبًا في تمويل مشاريع البنية التحتية. التعليم. والرعاية الصحية. فتساهم في تحسين المجتمع وتقديم نافعة للجميع. مما يسهم في قبول اللعبة أخلاقيًا.4. مخاطر واستغلال:
- حجة معارضة: الفئات الاقتصادية الأضعف قد تنفق أكثر مما يمكنها تحمله على تذاكر اليانصيب. مما يؤدي إلى مشاكل مالية أكبر. وخاصة للفئات الأكثر ضعفًا. فإنه يصعب تبرير اللعبة أخلاقيًا.5. إعادة توزيع الأموال:
- حجة معارضة: اليانصيب يعيد توزيع الأموال بشكل عشوائي. مما قد يؤدي إلى زيادة الفجوة بين الأغنياء والفقراء وهذا يعتبر عيبًا أخلاقيًا.6. الحالة الإدمانية:
- حجة معارضة: بعض الأشخاص قد يصيبهم الإدماا على شراء تذاكر اليانصيب. مما يؤدي إلى تدهور حالتهم المالية والنفسية. وتؤثر سلبًا على الأفراد والمجتمع. فالأضرار تفوق الفوائد المحتملة.من النقاط التي جعلت "ليندسي" لا تحبذ لعبة اليانصيب أنها قد تقوم على إعادة توزيع الأموال من الفقراء إلى الأغنياء. فهل الضرورة النفعية تضع في اعتبارها هذه الإشكالية اللاأخلاقية؟
من منظور النفعية. تُعتبر العدالة الاجتماعية جزءًا مهمًا في تقييم أي سياسة أو نشاط اقتصادي. بما في ذلك لعبة اليانصيب. نفعية جيريمي بنثام وجون ستيوارت ميل تركز على تحقيق أكبر قدر من السعادة لأكبر عدد من الناس.وتشمل هذه السعادة الأثر الاقتصادي والاجتماعي العادل على المجتمع ككل. لنحلل ما إذا كانت الضرورة النفعية تأخذ في اعتبارها إشكالية إعادة توزيع الأموال من الفقراء إلى الأغنياء:
1. النفعية والمساواة الاقتصادية:
المبدأ الأساسي: النفعية تهدف إلى تحقيق السعادة القصوى. والتي تتضمن تقليل المعاناة وزيادة الرفاهية بشكل عادل ومنصف.وإذا كانت لعبة اليانصيب تؤدي إلى زيادة الفجوة الاقتصادية بين البشر من خلال إعادة توزيع الأموال من الفقراء إلى الأغنياء. فقد يزيد من معاناة الفقراء مقارنة بالسعادة التي قد يجنيها الفائزون الأثرياء. لذا يمكن للنفعية أن تعتبر هذا غير مقبول لأنه لا يحقق السعادة القصوى للمجتمع ككل.
2. التأثير السلبي على الفقراء:
الاستغلال المالي: عندما ينفق الأشخاص ذوو الدخل المنخفض نسبة كبيرة من دخلهم على شراء تذاكر اليانصيب. ستتفاقم مشاكلهم المالية وتزيد معاناتهم. ومن منظور النفعية. فزيادة المعاناة لدى شريحة الفقراء من المجتمع. بسبب الاستغلال المالي ستفوق السعادة المحتملة المكتسبة من الفائز. لذلك. يجب على النفعية رفض أي نشاط يسبب معاناة الفئات الضعيفة.3. النفعية والتوزيع العادل للموارد:
العدالة الاجتماعية: النفعية تهتم بتوزيع الموارد بطريقة عادلة تعزز السعادة الشاملة. وإذا كان اليانصيب يعيد توزيع الأموال بشكل غير عادل. فإنه يتعارض مع مبدأ تحقيق السعادة للجميع.وإذا كانت لعبة اليانصيب تعزز عدم المساواة. فإن النفعية يجب أن تعتبر ذلك غير أخلاقي.
4. البدائل النفعية:
- بدلاً من اليانصيب الذي يسبب من المستويات الاقتصادية. يمكن استكشاف بدائل نفعية أخرى تساهم في تحقيق العدالة الاجتماعية وتعزز السعادة الشاملة للمجتمع. ومن هذه البدائل نذكر:1. استثمارات في التعليم لتوفير فرص متساوية للجميع وتحقيق تقدم اقتصادي طويل الأمد.
2. توفير شبكة من الدعم الاجتماعي للشرائح الضعيفة مما يساهم في تقليل الفجوات الاجتماعية والاقتصادية.
3. توفير فرص عمل مستدامة وتدريب مهني مما يساعد في تحقيق الاستقلال المالي للفرد والأسرة.
4. تحسين البنية التحتية العامة مثل النقل والصحة والإسكان لتعزيز الرفاهية العامة والمساواة في الفرص.
من خلال تنفيذ هذه البدائل النفعية. يمكن تعزيز التوزيع العادل للموارد وتحقيق فائدة أكبر للمجتمع بأسره. دون التسبب في زيادة الفجوات الاجتماعية أو الاقتصادية التي قد تنجم عن الأنشطة مثل اليانصيب.
بناءً على النقاط المذكورة في استكشاف بدائل نفعية أخرى لتحقيق العدالة الاجتماعية والسعادة الشاملة للمجتمع بأسره. دون التسبب في زيادة الفجوات الاجتماعية أو الاقتصادية التي قد تنجم عن الأنشطة مثل اليانصيب.
لذايمكن القول إن لعبة اليانصيب تثير تساؤلات أخلاقية حول عدم المساواة في توزيع الأموال واحتمالية إدمان اللعبة. ولكن يمكن قبولها إذا تم تحقيق التوازن بين الفوائد والأضرار وتوجيه الأموال بشكل عادل ومنصف. لتحقيق السعادة للجميع.
المراجع.
- أمين، أحمد. (2014). كتاب الأخلاق. مكتبة المنهل. ملف pdf. تم الاسترجاع من الرابط https://platform.almanhal.com/Details/Book/101632.
- بكري، جميل أبو العباس زكير. (2018). النفعية الجديدة وقواعد الحرب في فلسفة ريتشارد براندت. العدد17. جامعة القاهرة. كلية الآداب. فرع الخرطوم. مصر: مجلة وادي النيل للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية والتربوية.